يغيب الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة عن الجزائر منذ شهر أفريل الفارط بسبب
مغادرته على جناح السّرعة إلى المستشفى العسكري الفرنسي فال دوغراس لتلقي العلاج
اللاّزم إثر أزمة إقفاريّة ألمّت به، هذا ما تمّ التّصريح به رسميّا حسب برقية
نشرت عبر وكالة الأنباء الجزائريّة. و منذ ذلك الحين و الأنباء تتوالى من باريس و
الآراء تتضارب حول حقيقة مرض الرّئيس و ملفّه الصّحي خاصّة و أنّ غيابه جاء في وقت
حسّاس جدّا، حيث نصّب رئيس الوزراء لجنة تقنيّة لتعديل الدّستور قبيل الانتخابات
الرّئاسيّة التي لم يعد يفصلنا عنها سوى أقلّ من عشرة أشهر.
المشهد الإعلامي المحلّي بدا مرتبكا جدّا و هو يتعامل مع وضعيّة كهذه، حيث
غابت التقارير الرّسميّة المتعلّقة بصحّة الرّئيس و تماثله للشّفاء من عدمه، حيث و
في ظلّ صمت مطبق من طرف السّلطة حول قضية مرض الرّئيس اجتهدت وسائل الإعلام
المحليّة في إنتاج الخبر، من خلال تغطياتها للموضوع عبر مختلف أشكال الوسائط
الإعلاميّة الصّحافة المكتوبة، المسموعة، المرئيّة و حتّى الإلكترونيّة مع تسجيل
تباين في نوع المعلومات و أهميّتها.
إنّ غياب بيانات رسميّة توضّح للرّأي العام حقيقة الوضع الصّحي للرّئيس
وفّر مناخا لبروز معلومات متضاربة و آليات جديدة تحوّل توجيهها إلى أغراض أخرى
كالكسب السّريع، و زيادة السّحب و نسب المشاهدة بالنّسبة للقنوات الفضائيّة، و
الحصول على أكبر الحصص من عائدات الإعلان، و إضعاف الرّوح المعنويّة و الإرادة، و
إدخال الشّك و التوتّر و الإحباط في نفوس الأفراد و المجتمع ككل، ناهيك عن التأثير
على المنظومة المعرفية لديهم على اعتبار المعلومات كسلاح إعلامي مؤثّر جدّا.
إنّ ضعف السّلطات العمومية في تسيير ملف صحّة الرّئيس سمح لبعض القنوات
التلفزيونيّة(قناة النّهار الفضائيّة مثلا) باختراق و تجاوز كلّ الخطوط المسموح
بها في المجال السّياسي(مع العلم بأنّ نشاطها القانوني ملتبس)، و التّدخل بكلّ
الوسائل المتوفّرة وفق نموذج إعلامي تقليدي(الإعلامي يتكلّم/المواطن يصغي) لخوض
حرب إعلاميّة ضدّ خصوم الرّئيس و معارضيه، مستخدمة طريقة النّقل الأحادي
للمعلومة(إنتاج الخبر وفق رؤية ذاتية غير موضوعية)، بما زاد من تعفّن المشهد
الإعلامي و خلق رأيا عاما سلبيّا أثر بدوره على القرار العام؛ من جهة أخرى زاد
تعاطي الطرف الآخر مع القضيّة(قناة المغاربيّة الفضائيّة/ صحيفة جريدتي...و
غيرهما) من ارتباك الرأي العام و عدم تماسكه إزاء هذا الموضوع في غياب كبير و مفجع
لنخبة إعلاميّة محليّة قادرة على دفع السّلطات العموميّة على التّعامل باحترافيّة
و مسؤولية مع موضوع حسّاس كهذا.
إنّنا لا نستطيع أن نغيّر الزّمن لذلك ينبغي أن تتحلّى السّلطات العمومية
بقوّة الإقناع، و الواقعية اللاّزمة، و العمل على زيادة الثّقة بين الشّعب و
حاكميه من خلال التعامل بكلّ شفافية و مسؤولية مع قضيّة مرض الرّئيس أمام الرّأي
العام؛ إنّ سياسة المماطلة و عدم المبادرة ستدفع دون شكّ إلى العنف بحثا عن
الحقيقة، لأنّه من غير المعقول أن تملك السّلطات الرّسمية الفرنسيّة الخبر اليقين
بخصوص هذا الموضوع بينما يظلّ الشّعب واقفا على قدم واحدة ينتظر تطمينه و بعث
الأمان لديه؛ بعيدا عن كلّ هذا لا أجدني متفائلا كثيرا بمآل الوضع الحالي، ما دامت
فرنسا على استعداد لقطع قول كلّ خطيب !!!.
*نشر
على صفحات مدوّنة أحمد بلقمري، بتاريخ: 22 ماي 2013
تعليقات
إرسال تعليق