/ الرحلتان: مالك بن نبي وعبد الوهاب المسيري..قراءة في رحلة الرجلين الفكرية

القائمة الرئيسية

الصفحات

الرحلتان: مالك بن نبي وعبد الوهاب المسيري..قراءة في رحلة الرجلين الفكرية


الرّحلتان: مالك بن نبي وعبد الوهاب المسيري..
 قراءة في رحلة الرجلين الفكرية
            قمتان فكريتان عربيتان، رؤيتان إبداعيتان تتعديان الزمان القريب و المكان المحدود، فلسفتان و عقلان متقاربان أم متباعدان؟، مالك بن نبي الجزائري ابن تبسة و عبد الوهاب المسيري المصري ابن دمنهور، كيف هي رحلتهما الفكرية؟، ماذا عن التقارب بين فكريهما؟، هل نستطيع اعتبار فكر مالك بن نبي الدافع القوي الذي أدى إلى تأثر المسيري من بعده به وجعله يواصل مسيرة فكر عربية انقطعت بعد رحيل مالك بن نبي؟، ماذا عن التشابه الكبير المتعلق بمسيرة وسيرة الرجلين؟، نفس المنطلق، نفس النضج، في نفس المرحلة تقريبا، الانطلاق من بيئة عربية مسلمة و الانتهاء عند إنتاج فكر ذو خلفية تراثية عربية مسلمة؟، هل كان المسيري ذكيا عندما لم يكرر مالك بن نبي و ابتدأ من الآخر الذي انتهى إليه بن نبي؟، أسئلة وملاحظات تنبغي الإجابة عليها تفسيرا وتحليلا ومقارنة.

         إن القارئ لمالك بن نبي يدرك بما ليس فيه مجال للشك بأن العبقرية سمة بارزة في فكره، حيث قدم لنا فكرا استشرافيا ومنهجا نقديا تركيبيا تحليليا لحالة المجتمع العربي و الإسلامي على حد سواء، إن مالك بن نبي من خلال كتاباته وندواته حاول أن يسلط الضوء على الأنا، حيث قدم لنا تصورا غاية في الروعة لميلاد أي مجتمع من خلال تأملاته في راهن المجتمع العربي و الإسلامي اللذين يعانيان مشاكل مختلفة تعوق نهضتهما فهما المجتمعان الباحثان عن هويتهما و انتمائهما. لقد تميز مالك بدقة النقد وعمق التحليل و صرامة المنطق حيث عالج المشكلة من أساسها انطلاقا من الفرد الذي يعتبر النواة الأساسية لكل جماعة وبالتالي لكل مجتمع، لقد كان مالك بن نبي كالطبيب المعالج  حيث كان يعرف بأن المصارحة و الصدق وحدهما كفيلان بوضع اليد على الجرح، هذا ما يسمح بتشخيص الحالة بشكل جيد، و عليه تقديم العلاج اللازم في الزمكانية المناسبة، ومن ثمة التنبؤ بحالة المريض ( المجتمع العربي و الإسلامي ) في المستقبل ( النظرة الاستشرافية )، لقد منحنا بن نبي منهجا متميزا وطريقا واضحة محددة بشروط النهضة، إنها نظرية التجديد القائمة على قطبي الروح والفن.

         أما عبد الوهاب المسيري فقد كان المفكر الواعي بالصراع الحضاري الكبير القائم بين الإيديولوجيات، بين الإيديولوجيا الإسلامية و الإيديولوجيا اليهودية، بين الأنا و الآخر، الآخر القريب منا جدا، أول الآخر الذي ليس سوى اليهود. لقد قدم المسيري لنا قراءة جيدة في البعد التاريخي مثله مثل بن نبي، قراءة تساعدنا في فهم اليهود، اليهودية و الصهيونية، حيث غاص في أعماق الشخصية اليهودية و الصهيونية و الماسونية. إن المنهج الذي استخدمه المسيري والمرتكز على فكرة الاختزال يجعلك تحقق فهما واعيا لأصل المشكلة في الأنا عندنا أو لدى الآخر و أناه. إن عبد الوهاب المسيري من خلال موسوعة اليهود، اليهودية و الصهيونية غاص في تاريخ الجماعة و تعرض بالتحليل و الدراسة لتطور المفاهيم و الجماعات وحتى الإيديولوجيا.
         إننا بقراءتنا لمالك بن نبي و عبد الوهاب المسيري ندرك حجم المهمة الملقاة على عاتقنا على طريق النهضة، إننا اليوم أمام تحديات تاريخية لإعادة بناء المفاهيم و القيم، لإعادة القراءة و التفكير بجدية حتى نستطيع التأقلم مع التطورات و لا أفضل لنا من الاستناد على التجربتين الفكريتين لبن نبي و المسيري إلى جانب مفكرين آخرين من أبناء هذه الأمة. علينا اليوم أن نتخلص من عقدة الماضي التي تحكم عقولنا، علينا التخلص من عقدة التبعية بالاستثمار في الطاقات المحلية على كل المستويات، علينا الالتفات للمستقبل و التفاؤل بهذا القادم و العمل على الاستفادة من التجارب الفكرية لكل المبدعين.
قلم : أحمد بلقمري
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع