/ في قلب المعركة..

القائمة الرئيسية

الصفحات


في  قلب المعركة..
في ذكرى رحيل ابن باديس والإبراهيمي رحمة الله عليهما 
     مرّت ذكرى يوم العلم ورحيل العلامة عبد الحميد بن باديس هذه السنة مرور الكرام، و أدركت بأن طريق العلم لم يعبّد بعد، كما اقتنعت بفكرة اغتراب الإسلام في وطنه وبين أهله و ناسه. مرت ذكرى وفاة أمير البيان الشيخ محمد البشير الإبراهيمي فلم أكد أسمع أحدا يتكلم عن فضائل الرجلين و علمهما وورعهما و جهادهما الفكري لتأليف الرجال في الجزائر. حاولت الرجوع إلى الوراء قليلا مستخدما منهجية حداثية تراجعية تقدمية لأفهم الرّاهن بعين العقل، فوجدت أن أولى محطة عليّ التوقف عندها هي طريقة الاحتفاء بذكرى يوم العلم هذه السّنة، حيث أقامت لنا وزارة الثقافة مشروعا حضاريا كبيرا سمّي تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، ودعي التلفزيون الرّسمي الفرنسي لحضور التظاهرة في حين غابت كل تلفزيونات الدول الإسلامية و العربية، لقد كان حدثا ثقافيا كبيرا غنّت فيه نجوم الراي ورقص محبوها حتى الصباح، جاؤوا لنا بمخرج لبناني كبير ليقدم لنا عملا فنيا باسم تلمسان منبع الإيمان، فكان مثل الساحر الذي كانوا يحضرونه لنا في المدرسة قديما ندفع له و لا نشاهد شيئا يستحق الذكر، إنّها الطريقة الأكثر احتفالية في عالم الثقافة الإسلامية الجزائرية، حيث حضرت تلمسان وغابت الثقافة الإسلامية.

         بقيت أتتبع الأحداث و أرجع إلى الوراء و أتقدم حتى وقعت يديّ على مقال كتبته يوم قرأت كتابا عن شيخ البيان محمد البشير الإبراهيمي بعنوان" في قلب المعركة "، ويحوي الكتاب عديد رسائل الشيخ للشعب الجزائري  يحثه فيها على الجهاد و الاستعداد لاسترجاع السيادة الوطنية من فرنسا الظالمة المستبدة، وكنت يومها قد دوّنت بعض الأسطر بكثير من الألم وشيء من الحسرة على ما وصلنا إليه من حالة نكران للذات وتزييف للوقائع و الحقائق وبخس الرّجال أشياءهم. سألت نفسي وقلت: هل نحن في قلب معركة ثقافية، أم هي أزمة ستمر مثلما مرّت كثير من الأزمات؟، قلت في نفسي: لماذا لم ينظم ملتقى دولي يتناول سيرة و آثار علماء الجزائر في ذكرى يوم العلم؟، لم لا نقيم تظاهرة للعلم في الجزائر وتستمر لسنة كاملة هكذا نكون قد احتفلنا حقا بالعلم والعلماء؟، لم لم تفكر وزارة الثقافة بإحياء  بذكرى رحيل أهم رجلين في تاريخ الجزائر الحديث في القرن العشرين، لكن صوتا بداخلي نطق عني وقال لي: دعك من هذا الكلام فليس في الجزائر من يذكرهما سواك وبعض المخلصين من أبناء الأمة الذين يحبون العلم و يقدرون العلماء.. 
لقد تعلمت في المدرسة أنّ جمعية العلماء المسلمين تأخرت في دعم الثورة وشككت في قيادتها، لكنني عندما كبرت قرأت بأنّ الشّيخ الإبراهيمي كان أوّل الدّاعين للثورة، فمن أصدّق ومن أكذّب إذن؟، هل أبقى في ظلالي القديم أم أغير وجهة نظري وأرجع إلى الوثائق التاريخية التي تقدم لنا الحجة و البرهان، وتبين لنا من كان في قلب المعركة ممن كان خارجها؟. ما حز في نفسي وقوفي على بعض المراجع التاريخية التي تتطاول على الرجال الشرفاء من خيرة أبناء هذه الأمة، كتب مسمومة لكتاب مأجورين تكلموا عن أمير البيان وقالوا بأنه لم يكن منسجما مع ثورة التحرير إلا بعد أن حمى وطيسها وحققت نصرها، لكنهم لو قرأوا كتاب في قلب المعركة للشيخ محمد البشير الإبراهيمي لأدركوا يقينا بأننا ظلمنا الرجل مرتين مرة في حياته و أخرى بعد مماته.إن الإبراهيمي ومن خلاله جمعية العلماء المسلمين الجزائريين احتضن الثورة ودعا إليها منذ الأيام الأولى لشهر نوفمبر 1954، ها هو كتاب في قلب المعركة الذي جمعه ابن الشيخ الدكتور احمد طالب الإبراهيمي يضم كتابات الشيخ و يتناول قضايا ساخنة أثناء الثورة و بعد الاستقلال،ها  هي كلمات أمير البيان رنانة، حماسية تدعوا الشعب الجزائري للانتفاضة ضد الاستدمار، هاهو الإبراهيمي يقول للشعب الجزائري في ذكرى عيد من الأعياد الدينية: " أيها الشعب الجزائري: عيد مبارك إذا أردتم، سعيد إذا استعددتم.."، أما الشيخ ابن باديس فقد كان رائد النهضة العلمية الإصلاحية و محرك الثورة الجزائرية يوم أسس مع زملائه في الجمعية معاهد لتعليم القرآن الكريم في كل شبر من ربوع الجزائر.
أيّها الناس نحن في قلب معركة علمية و ثقافية حقيقية تتطلب منا يقظة وعملا استشرافيا استراتيجيا لحفظ و استرجاع و إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تراث غني حبا الله به هذه الأمة الجزائرية، علينا أن نبادر للاستثمار في تراثنا حتى ننأى به عن أيادي العابثين بمصير أمتنا من جهلة لا يقدرون قيمة هذا الكنز المكنون، هكذا فقط تتعزز الهوية لدى أبناء هذا الشعب البار فيشعرون بالانتماء و الأمن الثقافي في بلدهم، فيسارعون للانخراط في مسيرة البناء الوطني.
قلم: أحمد بلقمري

هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع