/ معضلة التغيّر القيمي في الجزائر

القائمة الرئيسية

الصفحات

معضلة التغيّر القيمي في الجزائر

تمثال ابن باديس يعرّي عوراتنا
قلم: أحمد بلقمري
في تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية وبمناسبة نصب تمثال للشّيخ عبد الحميد ابن باديس بوسط المدينة، حدث أن قام بعض الشّباب بالاقتراب من النّصب التاريخي، محاولين استنطاقه من خلال التقاط صور مع تمثال الشّيخ، بحيث ناولوه سيجارة وفنجانا من القهوة، فثارت ثائرة عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي حيث اعتبروا الأمر إهانة لرمز من رموز العلم والدّين في الجزائر، فيما هوّن آخرون من الحادثة وحاولوا إيجاد مبرّرات لهؤلاء المراهقين، كما استغل عدد من دعاة التحرّر الفرصة لإعداد محاكمة تاريخية للشّيخ انطلاقا من آثاره المكتوبة وآرائه المعلنة اتّجاه فرنسا، دون أن ننسى الآراء المتطرّفة لبعض السّلفيين الذّين لم ولن يتقبّلوا تمثيل وتصوير بشر بأيّ شكل من الأشكال. ومع كلّ هذا تفجّرت موجة من الآراء المتحدّثة عن مفاهيم الهوية، الثقافة، التعصّب، الاستلاب وانهيار سلم القيم، فما حقيقة هذا التّهافت؟.

هل نحن مختلفون ثقافيا؟
عندما يقترب شابّين من تمثال يشكّل عملا فنيا نحتيا لرمز ثقافي جزائري، ويقرّران استنطاقه على طريقتهما تثور ثائرتنا، وعندما تنقلب شاحنة لنقل الخمور ويأخذ أحد المارّة فرِحا قسمته من حمولة الشّاحنة نتقاسم هذه الفرحة متهكّمين وساخرين، وعندما يتكفّل أحد المتديّنين بتصوير هذه اللحظة وينقلها لنا على صفحات شبكة التواصل الاجتماعي نزداد غبطة وسُرورا، وعندما يُقتَل أحد لاعبي كرة القدم في ملاعبنا بحجر طائش من أنصار ذات الفريق نعدّ ذلك عملا معزولا ولا يمثّلنا، وعندما يدفن يهودي بطلب منه بمقبرة أجداده في الجزائر نهيج ونعلن رفضنا المطلق لقبول جثته على أرضنا لأسباب عرقية، وعندما يجتمع الجزائريون لإنقاذ أحد ضحايا الأخطاء الطبية في البلد منّا من يدعم ومنّا من يشكّك في ذلك، وهناك من يدعوا الله للانتقام من الجميع محسنا ومفسدا.  لقد أصبحنا غير قادرين على استيعاب التغيّر القيمي ومصادره المحيطة بنا من كلّ جانب، فنحن مختلفون ثقافيا، وينبغي أن نعلم ذلك ونعمل على استيعاب تنوعّنا واختلافنا في إطار سياسة ثقافية واجتماعية غير إقصائية لأنّ الأمر بات مقلقا لنا جميعا.
لماذا فعلها تمثال ابن باديس ولم يفعل ذلك بنا تمثال عين الفوّارة؟
أليس تمثال الشّيخ ابن بادس محتشما مقارنة بتمثال عين الفوّارة؟، ألم يكن الشيخ جالسا على أريكة يطلق نظرة تأمّلية عميقة ويمسك مصحفا بيده اليمنى، في حين وقفت سيّدة عين الفوّارة منتصبة القامة عارية فاتنة، تدير ظهرها للمسجد العتيق وتتحدّى العالم دون أن يحدث ذلك جدلا واسعا مثلما فعل تمثال الشّيخ؟. هناك خطب ما إذن؟. فلغزالنفسية نما خارج العمليات الاجتماعية مثلما فعل ذلك الأنا الباحث باستمرار عن التوافق ومواجهة الواقع. هذا الواقع البائس للمنظمات المتعارضة ثقافيا بعيدا عن ديمقراطية تعدّد الثقافات صار يهدّد نسيج المجتمع، ويدفع إلى انتهاج سبيل التعصّب والعنف لتحقيق الانتصارات الوهمية على الذّات قبل أن تكون انتصارات على الآخر.
لحظة التكيّف القيمي باتت ضرورة ملحّة ..
هناك تغيّرات قيمية طرأت على البلد بعد خروجه من دوّامة العنف التي عصفت به، وبات من الضّروري البحث عن أفضل السبل الممكنة لتحقيق التكيف القيمي. علينا أن نتفق بخصوص المرغوب وغير المرغوب فيه، ما يجب أن نفعله وما لا يجب أن نفعله، كما علينا أن نضع دستور حياة ومشروع مجتمع يجمعنا ويحدّد العلاقات فيما بيننا، مثلما يحدّد كذلك أولويات القيم. إنّنا في أمسّ الحاجة إلى تكييف قيّمنا مع ظروفنا لكي نحيا في وطن واحد يشكّل فيه التعدّد والاختلاف الثقافي مصدرا للقوّة والوحدة، وليس طرا محتملا يتهدّد مستقبلنا ومصيرنا المشترك.
ملاحظة: هذه النسخة الأصلية للمقال الذي نُشر لحساب مجلّة نفحة.
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع