معركة الصّور، من بومدين إلى بوتفليقة ؟!.
قلم: أدامير-أحمد بلقمري-
قبل شهر أكتوبر 1988، كنت قد التحقت للتوّ بالمدرسة،
كانت جدّتي-رحمها الله- أوّل من اصطحبني إلى هناك، وكانت توصي حارس المدرسة قائلة:
"اتهلاّ فيه، راه ولد ابن شهيد !"، وكان
الحارس يردّ باحترام: "روحي يا الحاجة، متهنية !". لم
أكن أفهم ما يقال حينذاك، ولم أكن أعي ما يحدث بالضّبط، لكنّ ما أذكره جيّدا أنّني
كنت أشعر بعدم الرّغبة في الذّهاب إلى المدرسة، كان عليّ أن أخفي هذا الشّعور حتّى
لا أتعرّض للعقاب من طرف والديّ.
أمّي كانت متعلّمة، أمّا أبي فلم يكن يحفظ سوى بعض
السّور القرآنية، يفكّ الحروف، يعرف الحساب، لكنّه لم يحظ بالتعليم في المدرسة
لأنّ القرية التي ولد بها كانت منطقة محرّمة !. أبي لم يحظ
بفرص كثيرة في هذه الحياة، فقد فقد والده شهيدا في حرب التحرير، شكّل ذلك مشكلة
حقيقية بالنسبة له فيما بعد، فقد كان أبا دون معلم والديّ (Sans repère parental). لم يحظ والدي، أيضا، بصورة لأبيه، بحث عنها
في كلّ مكان لكنّه اقتنع في الأخير ببعض التّفاصيل التي بقيت عالقة في ذهنه.
كان أبي يخفي صورة في الخزانة، وكان فضولي الطفولي
يستدعي منّي معرفة تفاصيل تلك الصّورة، كان علي أن أسأل أمّي: "لمن هذه
الصّورة، يا أمّاه؟". تجيبني أمّي: "هذه صورة بومدين رحمه الله !، كان رئيسنا المليح!". لم
يكن يهمّني إن كان مليحا أو غير ذلك، فقد كنت مهتمّا بمعرفة سرّ تلك الصّورة وفقط:
"لماذا يدسّها والدي بين أغراضه؟".
بعد مدّة قليلة حصلت على كثير من الصّور، كلّها لأشخاص
ملتحين، لم أكن أعرف من أعطاني الصّور، ولا من هم أولئك الذين تتوزّع تفاصيلهم على
تلك الأوراق، كان هناك بعض الأشخاص الذين ينتظروننا أمام باب المدرسة، يعطوننا
الصّور والحلوى على مرأى من الحارس الذّي ينسى دوما وصيّة جدّتي: "اتهلاّ
فيه، راه ولد ابن شهيد!"، لم يكن بمقدوره نهر
هؤلاء الملتحين، كانوا متضامنين، يمشون جنبا إلى جنب، لكنّ الأكيد أنّهم كانوا
يخيفونني إلى حدّ ما.
في إحدى المرّات، طلبوا منّا أن نتبعهم إلى قاعة
الرّياضة، فقد أقاموا هناك معرضا للصّور، كانت صورا مرعبة لأناس مصابين، قتلى،
حرائق، دماء في كلّ مكان. كم كانت الصّدمة كبيرة بالنسبة إليّ!. كان الأمر مروّعا.. عندما عدت إلى المنزل،
بحثت فورا عن صورة بومدين، وضعتها على الأرض، كان بومدين أنيقا وهو يرتدي البرنوس،
جعلت صورته أمام صور أولئك الملتحين، بدا أفضل منهم، لم أعرف السّبب حينها، لكنّني
عرفت فيما بعد، وأخفيت صور الملتحين تحت الحجارة، وإلى الأبد !. عادت تفاصيلهم إلى ذاكرتي في مرحلة
المراهقة، أزعجتني قليلا لكنّني لم أسمح لتلك الصّور الهوامية أن تعكّر عليّ
تقدّمي في الحياة.
بعد صور بومدين والملتحين، لم أهتم بأيّ صورة بعدها، بما
في ذلك الصّور الكثيرة للرّئيس زروال، كانت متوفّرة بكثرة، في متناول الجميع،
لكنّها لم تثر اهتمامي، لا أدري لماذا؟. صدقا، كان ذلك ما أشعر به !.
وجاء بوتفليقة فجأة، كانت أمّي تلحّ عليّ بالقول:"هو
الأفضل، هو الأحسن، كان مع بومدين !". آه،
حقّا، بومدين، صاحب الصّورة الجميلة في ذاكرتي، لكنّه ليس أفضل من آيت أحمد، في
ذاكرتي هو الأفضل، كان بريق عينيه من نوع خاص، يجتذب المرء، كان ساحرا، ثوريّا
كبير، وخطيبا ملهما، لم تكن صورة بوتفليقة تساوي شيئا أمام صورة الدّا حسين أنذاك.
للتّاريخ، قبل صورة الدّا حسين شغلتني صورتان للرّئيس بوضياف، يوم عودته إلى
الوطن، ويوم اغتياله الجبان، كان أيضا شخصا عظيما، وصورته لم تختف من ذاكرتي إلى
اليوم، ولا تزال في الصّفوف الأمامية من الذّاكرة.
طبعت الملايين من الصّور للرّئيس بوتفليقة منذ 1999 إلى
الآن، لكنّني لم أحتفظ له بأيّ صورة سوى واحدة كنت أدّسها في مكتبي بعد أن تعرّضت
لبعض المضايقات في العمل، كانت صورة التقيّة، أردتها هناك حتّى لا يسيء إلي أحد.
كانت صور بوتفليقة تدخلك إلى مواقع وأماكن قد لا تحلم بها طول حياتك، احمل صورة
للرّئيس في جيبك، وسوف تحظى بمعاملة جيّدة ومزايا كثيرة، كان هذا شعار الكثيرين.
وأنا أكتب هذا الكلام، تذكّرت قصّة والدي، وقد اشترى
حبلا وذهب إلى مديرية التربية، بعد أن رفض ملف ترشّحه لمنصب عمل كحارس في مدرسة بسبب
بلوغه من العمر سبعا وأربعين عاما فقط، قال لهم:" أنا ابن شهيد، وإن لم يكن
لي حقّ في هذا البلد فأنا مستعدّ لأريح الجميع من جثّتي المطوّقة!"، نصحه أحدهم: "هل تحمل صورة
للرّئيس؟"، قال: "نعم، إنّها لبومدين، وهي في البيت"، قال له
محدّثه: "لا، لا أقصد صورة لبوتفليقة رئيسنا". قال أبي:" أعطوني
عملا من أجل أبنائي، وسأعلّق صورة الرّئيس في بيتي من أجلكم !".
تعليقات
إرسال تعليق