دورُ العِلْم في حلْحلة
مسألة غرداية..
قلم: أحمد بلقمري
إلى متى تستمرّ أزمة غرداية؟ |
يقول الدّكتور
ناصر جابي في مقال له نُشر بصحيفة الوطن الجزائرية[1]
بتاريخ: 08 أفريل 2014، والموسوم بــ"غرداية: التاريخ .. والعقّار"،
بأنّ: " ما يحصل في غرداية ليس له علاقة بالآني والظرفي من مشاكل وتحديات فقط
كالبطالة والعقّار والنّظرة إلى مؤسّسات الدّولة الوطنية الحديثة، بل بالتاريخ
كذلك وكيف يتدخّل هذا التّاريخ كتجربة جماعية بعيدة أو قريبة في تلوين ومنح تفاسير
مختلفة لهذا الواقع المعاش، في ظرف يتميّز بالتّشنّج المتولّد عمّا سمّاه أحد
الباحثين الغربيين بـ"استفزاز العمق الأنثربولوجي للمجتمع
" الذّي
يحصل عادة في أوقات التّغيير السّريع الذّي تتعرّض له المجتمعات كما هو حاصل في
الجزائر هذه السّنوات الأخيرة ". هذه وجهة نظر عالم اجتماع جزائري مشهود له
بالكفاءة والتميّز، والاطّلاع الواسع على تركيبة المجتمع الجزائري، ثقافته،
شخصيّته، تعصّبه، صراعاته، تغيّره، وغيرها من المشكلات المتعلّقة بالحياة
الاجتماعية للمجتمع الجزائري، وكم نحن في حاجة لسماع آراء العلماء من خلال بحوث
ميدانية تهدف إلى المساهمة في حلحلة مختلف مشكلات الحياة الاجتماعية والاقتصادية
والسّياسية، ومن بين هذه المشكلات معضلة غرداية الباحثة عن حلّ عقلاني لا يكون
بالضّرورة أمنيا. كم نحن في حاجة لتدخّل علماء النّفس وعلماء الاجتماع
والأنثربولوجيا والاقتصاد والسّياسة والدّين لتفسير تجربة هذا القلق الإنساني
المتسبّب في حالة الشّعور بالاختناق؟.
هل يدرك السّياسي
أنّ المجتمع الجزائري التعدّدي يحتاج إلى فهم علمي عميق لتركيبته من أجل إنجاح أيّ
مشروع مجتمع، وتحقيق الإقلاع الحضاري المأمول؟، هذا واحد من أهمّ الأسئلة التّي ينبغي على
السّياسيين(في السّلطة أو المعارضة) أن يجيبوا عليه، فالمجتمع تتشكّل هوّيته
وتترسّخ في إطار الانتقال الحذر في خضم حركة ثقافية محدّدة المعالم، والممارسة السّياسية
ينبغي أن تكون مسؤولة أمام التاريخ والتركة الموروثة وأفراد المجتمع مهما اختلفت
هويّاتهم، غير أنّنا نلاحظ أنّ الفهم الأكمل للثقافة وارتباطها بالسّيكولوجية يبقى
آخر شيء يفكّر فيه السّياسي الجزائري الباحث عن ممارسة السّلطة المقترنة بالإكراه لا
الإقناع لضمان السّلم الأهلي. فها هي المعضلة الأمازيغيّة تتمدّد وتطول منذ عدّة سنوات
دون الوصول إلى حلول جذرية تعالج المشكلة نهائيّا، وها هو شكل الصّراع الدّائر في
غرداية يأخذ لونا إثنيّا ممزوجا بلون العِرْق، وها هو شباب الجنوب يشعر بالإقصاء
والتهميش ويثور على التخدير الحسّي الذي مورس عليه منذ زمن طويل، ويجتمع ويحتشد
للتعبير عن هويّته الفردية والجماعية... الموقف إذن ليس عابرا، والمشكلة صارت
معضلة تتمدّد وتتقلّص وفق الظروف، لكنّها قد تنفجر في أيّ لحظة، حالما توفّر
العامل المفجّر(Le
facteur déclenchant)، فعلى الرّغم من حساسية الموقف وعدم فهمه
وتقديره بشكل جيّد من طرف السّياسي(صاحب السّلطة) يلجأ هذا الأخير إلى تغييب دور
العلم والمسارعة إلى تطبيق الحلّ الأمني ظنّا منه أنّ الإكراه هو السّبيل الوحيد
لفرض الانضباط على "المتّهم الجاهز".
علينا أن نعترف
بأنّ غرداية كخلية من خلايا مملكة النّحلة
لم يعد بمقدرورها لوحدها الحفاظ على تماسك البنيان الثقافي النّفسي للأفراد
والجماعات القاطنين بها في ظلّ عدم وجود ثقافة تربط الفرد بالذّات الاجتماعية. من
باستطاعته تقييم هذه الثقافة، ومن هو القادر على التّوصية بتعزيزها أو تقويمها؟، دون
شكّ هذا دور العلماء ومخابر البحث في مختلف تخصّصات العلوم الإنسانية والاجتماعية
والاقتصادية والسّياسية، فهم القادرين على تقديم تفسيرات مقنعة للواقع الاجتماعي
والثقافي والاقتصادي والسّياسي من مختلف الزّوايا، وهم المؤهلين لمساعدة صنّاع
القرار على تخطيط مشروع حياة لهذه الجماعة أو تلك من المجتمع الذي يجمعه مصير
مشترك، من خلال مساعدتهم على فهم بنية المجتمع بهدف صياغة سلوكه وترقية ثقافته. لقد
آن أوان الكفاح لتطبيق المنهج على ما طرأ وسيطرأ من مشكلات مجتمعنا حتّى يكون
الصّراع الثقافي النّفسي في إطاره السّلمي اللاّعنفي، وحتى يكون بناء الدّولة الوطنية
الحديثة في ظروف هادئة ومواتية، أمّا سياسة الهرب إلى الأمام وتأجيل الحلّ فلن
تقودنا سوى للمجهول الذّي لا تحمد عواقبه.
تعليقات
إرسال تعليق