/ حكومة بدوي "الصّورية"، و"صراع الهواجس الجزائرية".

القائمة الرئيسية

الصفحات

حكومة بدوي "الصّورية"، و"صراع الهواجس الجزائرية".

حكومة بدوي "الصّورية"، و"صراع الهواجس الجزائرية".
قلم: أحمد بلقمري/ كاتب جزائري
الوزير الأوّل الجزائري نور الدين بدوي

"عيّن رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، البارحة الأحد 31 مارس 2019، أعضاء الطاقم الحكومي بقيادة الوزير الأوّل، نور الدين بدوي، حسب ما أورده بيان لرئاسة الجمهورية. ويتكوّن الطاقم الحكومي الجديد من 27 وزيرا، حيث تمّ الإبقاء على 6 أعضاء من الطاقم الحكومي السابق".

هذا ما تناقلته وسائل الإعلام الجزائرية والعالمية عن موقع وكالة الأنباء الجزائرية، وقد جاء هذا الإعلان المفاجئ عن تشكيلة الحكومة ليزيد المشهد السياسي في الجزائر غموضا، ويعطّل إنجاز الحلّ السّياسي الوفاقي. ويمكن أن نفسّر تطوّر الموقف على هذا النّحو بأنّه مؤشر على تعطيل اللّحمة الوطنية، وتفتيت قدرة القوى الوطنية المطالبة بالتغيير الشّامل وإحلال نظام حكم ديمقراطي، مقابل إنهاء الحكم المونارشي-الأوليغارشي لبوتفليقة الذي امتدّ لأكثر من عشرين سنة، فالقرار لم يختلف في فحواه عن القرار الأوّل الذي خرجت به الرئاسة بتاريخ 11 مارس الفارط، حين عيّنت بدوي وزيرا أوّلا، ورمطان لعمامرة نائبا أوّلا له مكلّفا بالشّؤون الخارجية، بعد مسيرات الجمعة الثالثة للحَرَاك الشّعبي.
وقد لفت هذا البيان لرئاسة الجمهورية إلى أمرين بالغي الأهمية، الأمر الأوّل ما يتعلّق باجتماع يوم 30 مارس 2019، والذي ترأسّه الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني، بمقر أركان الجيش الوطني الشعبي، وضمّ كلّ من قادة القوات، قائد الناحية العسكرية الأولى والأمين العام لوزارة الدفاع الوطني، في إطار "تقييم الحصيلة العامة للجيش الوطني الشّعبي على وجه العموم ولدراسة تطوّرات الأوضاع السائدة في بلادنا، بعد اقتراح تفعيل المادة 102 من الدّستور، على وجه الخصوص. هذا الاقتراح يأتي في إطار المهام الدّستورية للجيش الوطني الشعبي بصفته الضّامن والحافظ للاستقلال الوطني والسّاهر على الدفاع عن السيادة الوطنية والوحدة الترابية وحماية الشعب من كل مكروه ومن أي خطر محدق، وفقا للمادة 28 من الدستور". لكنّ الملاحظ هو عدم مشاركة قادة النّواحي العسكرية الخمس الأخرى لهذا الاجتماع، ولا نعرف إذا ما شارك الفريق بن علي بن علي، قائد جهاز الحرس الجمهوري، وعثمان طرطاق رئيس قسم المخابرات والأمن في ذات الاجتماع، الذي تحدّث فيه رئيس الأركان عن "بعض الأطراف ذوي النوايا السيئة تعمل على إعداد مخطط يهدف إلى ضرب مصداقية الجيش الوطني الشعبي والالتفاف على المطالب المشروعة للشعب"، كما أضاف أنّه: "تمّ عقد اجتماع من طرف أشخاص معروفين، سيتم الكشف عن هويتهم في الوقت المناسب، من أجل شنّ حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش الوطني الشعبي وإيهام الرأي العام بأنّ الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور". وفي هذا الإطار أكدّ الفريق أحمد قايد صالح أنّه : "على ضوء هذه التطورات، يبقى موقف الجيش الوطني الشعبي ثابتا بما أنه يندرج دوما ضمن إطار الشرعية الدستورية ويضع مصالح الشعب الجزائري فوق كلّ اعتبار، ويرى دائما أن حلّ الأزمة لا يمكن تصوّره إلا بتفعيل المواد 7 و8 و102 من الدستور".
أمّا الأمر الثاني فيتعلّق بتوقيت إصدار بيان الرّئاسة الذّي لم يحسم الجدل الدّائر حول رحيل بوتفليقة عن الحكم من عدمه، بل أجّج "صراع الهواجس الجزائرية"، وطرح طريقا أحاديا للحلّ بالتشاور مع الوزير الأوّل بدوي، وليس مع القادة العسكريين والفاعلين الأمنيين بالدّرجة الأولى، أو قوى المعارضة السّياسية بالدّرجة الثانية، وقوى الحراك الشّعبي الذي يسعى إلى الحفاظ على الطابع السلمي الديمقراطي للمسيرات بدرجة أقل، لأنّ نظام حكم بوتفليقة يبحث في هذا الوقت بالتحديد عن "استعادة الهيمنة" ولو بشكل مؤقت، وهي الفترة الانتقالية (مدّة 3 أشهر) بعد استقالة الرّئيس التي تبدو وشيكة حسب تسريبات لوسائل الإعلام الجزائرية. ومن هنا واجب التحسّب لهذا التوقّع، التي ستكون إحدى آليات تنفيذه هذه الحكومة "الصّورية" التي يقال عنها أنّها حكومة تصريف أعمال، والتي يبحث، دون شكّ، باعثوها بعد مسار عسير على تأجيج الانقسام حولها، وربح مزيد من الوقت لترتيب الأمور وتعميق الأزمة بدل حلحلتها، وهو ما يشبه الانتقام من محاولة الجيش "استعادة السّيطرة على الوضع"، والضغط لإنجاز "الحلّ الدستوري" في أقرب وقت ممكن.
        إنّ رئاسة الجمهورية، باستعجالها إخراج تشكيلة الحكومة إلى العلن، راهنت على قطع الطريق على أيّ محاولة للجيش تستجيب لمطالب الشّعب، وكالعادة لم تتضمن مبادرة الرّئيس أيّ تفاصيل تتعلّق بجوهر الحلّ المأمول من طرف فعاليات الحَرَاك الشّعبي، بقدر ما سعت إلى العودة بالأمور إلى ما كانت عليه قبل 11 مارس الماضي، وبذلك يكون إفشال مسعى الجيش الرّامي إلى تشديد الحصار على القوى غير الدّستورية، واستباق الخطر بالسّيطرة بالقوّة عليها، التي من بوادر نية القضاء عليها مسألة اعتقال رجل الأعمال علي حدّاد المقرّب جدّا من شقيق الرّئيس، والذّي ضبط وهو يحاول التسلّل إلى تونس عبر منفذ برّي، وبجواز سفر بريطاني.
وعلى هذا الأساس، لا شكّ في أنّ نشر قائمة وزراء حكومة بدوي في توقيت سيّء كهذا، ومؤسّسة الرّئاسة تبدو في أضعف حالاتها بعد إثارة قضية الاجتماعات المشبوهة، والاقتراحات التي لا تتماشى مع الشّرعية الدّستورية، يعدّ أكبر "تحرّش بالشّعب" الذّي يرفض "سياسة المقايضة والأمر الواقع"، ويستعدّ للخروج في جمعة سلميّة جديدة، بعنوان:" #ترحلوا_يعني_ترحلوا".
هل أعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع